Monday, November 23, 2015

الشيعة في سورية ولبنان

ظلّ التشيّع سائداً في الشام وحلب وبعلبك وجبل عامل منذ القرن الأوّل إلى يومنا هذا ، ومن المعروف أنّ أبا ذر الصحابي الجليل هو الذي بذر بذرته ، أو غرس شجرته ، وذلك عندما نفاه عثمان من المدينة إلى الشام ، وكان يجول في الشام وضواحيه وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، من دون أن يخاف قوّة أو سطوة ،او إهانة أو قسوة ، وطبع الحال يقتضي أن يبوح بما انطوت عليه جوانحه من الولاء لعليّ وأهل بيته ، يدعو له على القدر المستطاع ، فنمت بذرة التشيّع في ظلّ التستّر والتقيّة ، وأمّا اليوم فالشيعة مجاهرون ولهم شأن عند الدولة ، ولهم مظاهر في الشام وضواحيه ، ترى اسم عليّ والحسين مكتوبين تحت قبّة المسجد الأُموي ، وفي الجانب الشرقي مسجد خاصّ باسم رأس الحسين ، وفي نفس البلد قباب مشيّدة لأهل البيت ، أمثال زينب بنت عليّ _ عليهما السلام _ و رقيّة بنت الحسين _ عليهما السلام _ في الوقت نفسه لا تجد أثراً لمعاوية(1) ويزيد والحكّام الأُمويين . إنّ في ذلك لعبرة لأُولي الألباب . قويت شوكة التشيّع في سورية بعد قيام دولة الحمدانيين في الشام والجزيرة ، وكان لسيف الدولة أياد ب يضاء في رفع منارة التشيّع ، كيف وأبو فراس صاحب القصيدة الميمية هو ابن عمّه الذي يقول : الحقّ مهتضم والدين مخترمُ * وفَيءُ آل رسول الله مقتسمُ وأمّا جبل عامل فقد انتشر فيه التشيّع منذ دخل إلى الشام ووجد في تلك البقاع مرتعاً خصباً ونفوساً متلهّفة ، فتعلّق به أهله تعلّقاً شديداً حتّى لقد برز منهم العديد من العلماء الكبار طبقوا البلاد شهرة وصيتاً أخصّ منهم بالذكر :
1 ـ محمّد بن مكّي المعروف بالشهيد الأوّل (734 ـ 786هـ ) وكان إماماً في الفقه ، ولكنّه صلب بيد الجور ، ثمّ رجم ، ثمّ أُحرق ، بذنب أنّه شيعي موال لأهل البيت ولا يفتي بفتوى أئمّة المذاهب الأربعة . وله كتب فقهية أشهرها كتاب اللمعة الدمشقية ، ألّفه في السجن خلال أُسبوع ولم يكن عنده من الكتب الفقهية سوى المختصر النافع للمحقّق الحلّي (600 ـ 676هـ ) .
2 ـ زين الدين بن عليّ الجبعي (911ـ966هـ ) المعروف بالشهيد الثاني صاحب الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية ، والمسالك في شرح الشرائع الذي يتضمّن مجموع الكتب الفقهية مع ذكر المستند والدليل . وقد امتدت إليه أيدي الظلم كسلفه الشهيد الأوّل ، حيث اعتقل بأمر الخليفة العثماني ثمّ قتله معتقلوه قرب شاطئ البحر وحُزّ رأسه من جسده وأُرسل إلى السلطان . وتاالله إنّـها لجرائم بشعة تقشعرّ منها الأبدان ، ويندى لها جبين البشرية خجلا ، فما معنى هذه القسوة المتناهية في قتل الشيعة وعلمائها ، وإذا كان هذا مصير الشيعة من قبل الحكومات المتعاقبة والظالمة ، فهل يلومهم أحد على اتّخاذهم التقية حجاباً لحقن دمائهم وحفظ أعراضهم؟! لا أعتقد أن يلومهم عليها عاقل; لأنّ الملام من دفعهم إليها لا هم . أقول : ورغم هذا الإسراف في مطاردة الشيعة وقتلهم ، فقد ظهر في جبل عامل بعد هذين العالمين الجليلين ، علماء فضلاء وفقهاء عظام ، ولم يزل منار التشيّع مرتفعاًولواؤه خفّاقاًبهم، ولقد تحمّلوا عبرالقرون ، وخصوصاًفي عهدالسلطة العثمانية المصاعب الجسام والتي ذكرها التاريخ في صفحات سوداء لا تنسى ، ولا سيما في عهد أحمد باشا الجزّار ، ممثّل الدولة العثمانية في بلاد الشام من (1195 ـ 1198هـ ) .
ولقد ألّف الشيخ الحرّ العاملي كتاباً أسماه أمل الآمل في علماء جبل عامل طبع في جزأين ، واستدرك عليه السيد الجليل حسن الصدر . وأمّا بالنسبة إلى بعلبك فهي من المدن الشيعية العريقة ، والتي ظهر بها التشيّع منذ دخل بلاد الشام وراج في ظلّ الدولة الحمدانية ، ووجد في نفوس أهلها خير موطن ، فاحتضنوه وتمسّكوا به .
____________
(1) نعم في داخل البلد بيت يقال فيه قبر معاوية لا يزوره أحد إلاّ للعبرة والاطّلاع على ما آلت إليه أعمالهم من مصير بائس بعد
مماتهم .
المصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية : للشيخ جعفر السبحاني ص 83 ـ 85

No comments:

Post a Comment