عندما انتصر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على الناكثين في معركة الجمل، قامت قيامة معاوية، فأخذ يهيّأ الأسباب، ويعدّ العدّة لخوض المعركة ضدّ سيد الوصيين عليه السلام، وكان يظنّ أنّ المعركة بقيادة ((السيدة عائشة)) سوف تحقق أهدافها، ولكن جاءت النتائج بعكس ما تشتهي ((سفن معاوية)).
وفي نظري فإنّ معاوية هو الذي أذكى نار الحرب، ومدّ السيدة عائشة بالمال والسلاح، وهو الذي ألّب الناس على أمير المؤمنين عليه السلام، حيث اقتطع جزءاً من جسد الدولة الإسلامية، فأطمع الكثير في الدولة الإسلامية، كلّ ذلك حتى يوهن الدولة، ويفت في عضدها.
ومنهم ((زياد بن أبيه))، فقد أطمعه بالدنيا وزيّنها له، حتى قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ((إنّ معاوية كالشيطان يأتيك من بين يديك ومن خلفك ومن أمامك فاحذره)).
وقد استعمل معاوية خططاً دنيئة في تمزيق أوصال الدولة الإسلامية، وما تشبثه بـ((الشام)) إلا دليل على خططه في إضعاف الدولة الإسلامية.
وقد أرسل الرسائل لولاة الإمام عليه السلام كي يطمعهم في الدنيا، ويوغلهم في المغريات، كلّ ذلك حتى يهيأ المقدمات لـ ((معركة الجمل))، وقد توفّرت الأسباب عندها تحرك الثلاثي: ((السيدة عائشة، والزبير بن العوام، وطلحة ابن عبيد الله)).
فمعاوية قد شارك فعلياً في معركة الجمل، ويعدّ هذا رد على المتقوّلين الذين يطعنون بسياسة الإمام عليه السلام عندما أصرّ على عزل معاوية، فمعاوية حوّل الشام إلى بؤرة لتصدير المؤامرات، ولأشكال الإرهاب كافة، فكان نقطة ضعف خطيرة في جسد الدولة الإسلامية، وبقاؤهُ في الشام يعني استغلال مواردها لمؤامرات خطرة.
جاء في (تاريخ الإسلام):
((فالأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعياً وراء مصالحهم الشخصية))[1].
يقول الشيخ الغزالي:
((فإنّ أعمال معاوية بن أبي سفيان ــ من قبل ومن بعد ــ كانت لتحطيم الديمقراطية الإسلامية في ميدان السياسة، وتنصيب أسرة عبد شمس على ملك عريض كملك ((دي بوربون)) أو((هابسيورغ)) في أوروبا، وإعادة الأمر كسروية وهرقلية، كما عرف صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخيراً، وبعد فوات الأوان))[2].
وجاء في كتاب (علي إمام لكل العصور) في الفصل التاسع، وهي عبارة لروجيه غارودي:
((وكانت الدولة الأموية وخلافة معاوية من القروح الآكلة في جسم الدولة الإسلامية))[3].
يمكن أن نقول:
((أنّ معركة صفين هي نتيجة طبيعية لمعركة الجمل))، فمعاوية كان يعوّل على السيدة عائشة، وكان يأمل أن تنتصر على الخليفة بحق الإمام علي عليه السلام، حتى يتسنى له الانقضاض على ((طلحة، والزبير))، بواسطة ((مروان بن الحكم)) الذي كان المنظّر والساعد الأيمن لمعاوية في أحداث الجمل.
إنّ مروان بن الحكم كان أحد القادة الذين سعوا كثيراً في تحريك الجبهة، وتمويل الجيش، فكان يشكّل القناة الواصلة بين معاوية والسيدة عائشة، وقد سيّر الجيش بشكل أطمع ((الزبير وطلحة)) في النصر، فقد أخذه إلى البصرة حتى يتسنّى لهم جمع المال والرجال، بسبب وجود قبائل تميل إلى ((الخليفة عثمان)) مثل بني ضبة، والأزد، الذين كانوا يأخذون ((بعر الجمل)) فيشمونه، ويقولون: ((بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك))[4].
وبعد أن هوى الصنم على الأرض، وقد نال من القرابين ما لم ينله أكبر ملوك الأرض أسقط في يدي معاوية، ففكّر في معركة صفين التي هي امتداد لمعركة الجمل هذا ويمكن أن نعدّها ((الخط الدفاعي الثاني)).
وقد اعتمد معاوية بن أبي سفيان كثيراً عليها، ((فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى))[5].
وقد حاول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يئد الفتنة في مهدها، وينزع فتيل الحرب، إلا أنّ معاوية ((أصرّ واستكبر استكباراً)). يقول الطبري، وابن الأثير:
((فإنّ الرسائل التي بعثها الإمام علي عليه السلام إلى معاوية كادت أن تقلب عليه الشام، لأنها دحضت حجج معاوية في قتل عثمان، وتشبّثه في الإمام)).
فإدّارك معاوية الأمر، وتهيّأ وعبّأ قواه الشيطانية، عندها تهيّأ الإمام أمير المؤمنينعليه السلام للحرب، وهو كاره لها، فأرسل الخطباء والوفود، ومن جملتهم سيد شباب أهل الجنة الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام إلى الكوفة.
جاء في كتاب (حياة الإمام الحسين عليه السلام):
((وتهيّأ الإمام للحرب، وقام الخطباء في الكوفة يحفّزون الناس للجهاد، ويحثّونهم على مناجزة معاوية بعدما أحرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل، وقد خطب فيهم الإمام الحسين عليه السلام خطاباً رائعاً ومثيراً، قال فيه بعد حمد الله والثناء عليه:
((يا أهل الكوفة: أنتم الأحبة الكرماء، والشعار دون الدثار، جدّوا في إطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعّر عليكم، إلا أنّ الحرب شرّها ذريع، وطعمها فظيع، فمن أخذ لها أهبّتها، واستعدّ لها عدّتها، ولم يألم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها، واستبصار سعيه فيها، فذاك قمن ألا ينفع قومه، وأن يهلك نفسه، نسأل الله بقوته أن يدعكم بالفيئة))[6].
والتقت الفئتان فئة تقاتل في سبيل الله، ونصرة الحق، وأخرى تقاتل في سبيل الشيطان ونصرة الباطل، وقد تنبّأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في (مستدرك الحاكم) للنيسابوري، بسند لا يقلّ عن سند البخاري، ومسلم، قال: ((شهد مع علي في صفين ثمانون بدرياً، ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة))[7].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية، وآخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار))[8].
وقال القاضي في (شرح المصابيح):
((وهذا صريح في بغي طائفة معاوية الذين قتلوا عماراً في وقعة صفين، وأنّ الحق مع علي، وهو من الإخبار بالمغيبات، يدعوهم (أي عمار) يدعو الفئة الباغية ــ وهم أصحاب معاوية ــ الذين قتلوه بوقعة صفين في الزمان المستقبل إلى الجنة أي إلى سببها، وهو طاعة الإمام الحق، ويدعونه إلى سبب النار وهو عصيانه ومقاتلته.
قالوا: وقد وقع ذلك في يوم صفين، دعاهم فيه إلى الإمام الحق، ودعوه إلى النار، وقتلوه.
فهو معجزة للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وعلم من أعلام نبوته.
وقال القرطبي: وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحّها، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره، قال: إنما قتله من أخرجه[9].
فأجابه ((علي)): بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه.
قال ابن دحية: وهذا من (علي) إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها[10].
وقد انتصر الحق في صفين، وتلاشت معالم الفئة الباغية بقيادة معاوية ابن أبي سفيان، ولولا صفين لما كانت هناك ملامح واضحة لهذه الفتنة العمياء التي أطلّت ((بقرن الشيطان))، وكادت أن تضلّ خلقاً كثيراً.
وقد أبدى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلقاً رفيعاً رجّح كفّة الحق، وجعلها واضحة المعالم. منها واقعة كشف ((نهر الفرات))، ففي بداية المعركة (كما جاء في تاريخ الطبري) استولى جند معاوية على شاطئ الفرات، ثمّ منعوا الماء عن جيش الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، حتى أخذ العطش منهم مأخذاً ضجّ جيش الإمام عليه السلام، وقالوا: يا أمير المؤمنين نوشك أن نهلك من العطش. فأرسل الإمام عليه السلام مبعوثاً إلى معاوية يطلب منه تقسيم المياه، فرفض معاوية، قائلاً: ((لا والله حتى تموتوا عطشاً)).
عندها أمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بإرسال كتيبة بقيادة الإمام الحسن، والإمام أبي عبد الله الحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبي الفضل العباس عليهم السلام في رواية، فاتجهوا نحو الفرات، وخاضوا معركة ((شرسة)) هزموا فيها جيش معاوية بن أبي سفيان شرّ هزيمة مخلفين وراءهم قتلاهم.
وعندما استولى جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقيادة أولاده الأبرار (صلوات الله عليهم أجمعين) استبدّ الذعر في جيش معاوية، وخافوا العطش، ولكن كما قال الشاعر ابن الصيفي في آل البيت عليهم السلام:
ملكنا وكان العفو منا سجيّة*** فلما ملكتم سال بالدّم أبطحُ
وحللتم قتل الأسارى وطالما*** غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفحُ
وحسبكم هذا التفاوت بيننا*** وكل إناء بالذي فيه ينضحُ[11]
فأباح الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام الماء لجيش معاوية، وأفرد لهم جانباً من نهر الفرات، والمفروض من جيش معاوية بعد هذا الموقف الرفيع أن يرعوي وينسحب من جيش الباطل، ولكن ماذا نفعل إذا كانت القلوب جرداء والبصيرة عمياء.
قال تعالى: ((لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ))[12]. وقال تعالى: ((وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ))[13].
لقد أبلى الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام كما تقول الروايات بلاءً حسناً.
جاء في (أنساب الأشراف): وسئم الفريقان هذه الحرب المتقطّعة، وتعجّلوا الحرب العامة، فعبأ الإمام جيوشه تعبئةً عامة، وكذلك فعل معاوية، والتحم الجيشان التحاماً رهيباً، واقتتلوا أبرح قتال وأعنفه، وانكشفت ميمنة جيش الإمام انكشافاً بلغ الهزيمة، فقاتل الإمام ومعه الحسن والحسين عليهما السلام، وانحاز الإمام إلى ميسرة جيشه من ربيعة، فاستماتت ربيعة دون الإمام، وكان قائلهم يقول: لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إن أصيب أمير المؤمنين وهو فيكم.
وتحالفت ربيعة على الموت، وصمدت في الحرب، ورجعت ميمنة الإمام إلى حالها بفضل الإمام أمير المؤمنين علي وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسينعليهم السلام[14].
والبطل الهمام مالك الأشتر الذي تقول الروايات كانت له صولات تذكر مع سيدي شباب أهل الجنة حتى ثبتت ميمنة الإمام عليه السلام بعد أن بان الانكسار عليها.
وجاء في المصدر نفسه: ((واستمرت الحرب بأعنف ما يتصوّر، وقد ظهر الضعف، وبان الانكسار في جيش معاوية، وهمّ معاوية بالفرار لولا أنه تذكّر قول ابن الأطنابة:
أبت لي همتي وأبى بلائي*** وإقدامي على البطل المشيحِ
وإعطائي على المكروه مالي*** وأخذي الحمد بالثمن الربيحِ
وقولي كلّما جشأت وجاشت*** مكانك تحمدي أو تستريحي[15]
تقول الروايات: أنّ معاوية بن أبي سفيان لم ينزل إلى ساحة المعركة، وما كان يستطيع ذلك والإمام أمير المؤمنين عليه السلام موجود لكنه خدع عمرو بن العاص فنزل، وفي جعبته مكيدة، لأنه لن يقدر أن يجابه الإمام علي عليه السلام، وقد رأى بأمّ عينيه كيف يجندل صناديد قريش، حتى ضجّت قريش، وجعلت تأنّ من ضربات قاصم الشرك والنفاق، ومبيد أهل الفسوق والعصيان، فبرز عمرو بن العاص.
جاء في كتاب (علي إمام لكل العصور):
((وضحكت الأقدار وسخرت البطولة وانتشى العار، فقد طمع ابن النابغة أن ينال من علي عليه السلام غرّة، فكان أن حمل عليه الإمام، فلما كاد أن يخالط (يصاب) رفع ثوبه، وشغر برجله لتبدو سوأته، فصرف عنه الإمام وجهه تكرماً وشمماً، لم يعرّ العار ثوب عمرو بن العاص لأنه بنفسه نزع إهابه لتظهر سوأته فهي جزء من باطنه، وكانت وصمة عار لهذا الصحابي الذي أخزى أسوة الصحبة أمامه عفّة الإمام مرتمياً مكشوف السوأة، بادي العار، بعد أن ألقى درعه وحسامه خوفاً من أن يورده الإمام حِمامه.
وعجب الناس من إفلات ابن النابغة من القتل، فقال لهم علي عليه السلام: ((فإنه عمرو بن العاص تلقّاني بعورته، فصرفت وجهي عنه)).
ويسأل معاوية ابن النابغة عن صنيعه، فيقول وعلى وجهه غبرة ترهقها قترة: لقيني علي فصرعني.
فيسخر معاوية مستهزئاً بضعة نظيره، ويقول له: احمد الله وعورتك[16].
لقد سمعنا بمقولة ((الغاية تبرّر الوسيلة)) لميكافلي في كتابه الخطير (الأمير)، ولكن يبدو أنّ ميكافلي أخذ الخطوط العريضة من معاوية وعمرو ابن العاص، وميكافلي وضع حدوداً وسقفاً لوسائله، وثبّت شيئاً من القيم حيث جعل الهدف الحفاظ على الدولة حتى تخدم الناس، ولكن معاوية وعمرو بن العاص لم يجعلا لها حدوداً أو معايير.
فكانت الغاية عندهم تبرّر الوسيلة حتى في أحقر الوسائل وأكثرها قذارةً، فمعاوية جرّد هذه ((الوسيلة)) من كلّ القيم والمعايير فهو عنده الغاية تبرّر الحقير والدنيء حتى لو جمع قذارات الأولين والآخرين ووساختهم.
قال الحسن البصري: ((ثلاث عملها معاوية، لو كانت واحدة لكانت موبقة: استلحاقه زياداً، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))[17]، وقتله حجراً مع أصحابه، وكان صحابياً جليلاً حتى سمّي بحجر الخير، وتوليه يزيد، وهو فاسق قاتل، وشارب للخمر، وناكح للأمهات والعمات))[18].
ولكن فات الحسن البصري عمّا فعله بسيد الوصيين وسيد شباب أهل الجنة عليهم السلام[19].
وقتله الآلاف من المسلمين في الأنبار وهيت والمدينة، فقد أرسل بسر بن أرطاة فأحدث مقتلة عظيمة، ثم أوغل في قتل الأطفال ((وعمد إلى طفلين لعبيد الله فقتلهما، ولما انتهى خبرهما إلى أمهما فقدت وعيها، وراحت ترثيهما بذوب روحها بأبياتها المشهورة))[20].
ثم عمد إلى تحريف الإسلام، وهي أخطر خطّة اعتمدها في إطار ((الغاية تبرّر الوسيلة))، فقد أجهز على أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فحرّف الكثير عن مواضعها.
جاء في كتاب (هموم داعية) للشيخ محمد الغزالي المصري:
((إنّ الفقه الدستوري في أمتنا يجب أن تنحسر عنه ظلال الحجاج، وعبيد الله بن زياد، وبعض ملوك بني العباس، وبعض سلاطين بني عثمان)).
ويؤسفني أن أقول: أنّ الشيخ محمد الغزالي لا يريد أن يسمّي الأشياء بأسمائها، فهو لا يريد أن يحمل معاوية جريرة ما حدث للفقه الدستوري، وعبد الملك بن مروان، فيلقي تبعاتها على ولاتهم، وهذه خطة باتت مفضوحة، فعلى الشيخ أن يفصح لأنّ ما حدث لا يمكن السكوت عنه، ولا يتحمل التغطية، والستائر القاتمة، فما لم نشخص الداء لا يمكن لنا أن نصف الدواء، ثم لماذا نجعل الملوك فوق الأخطاء والهفوات؟.
ولماذا هذا التقديس الذي يأتي في معظمه على حساب المقدسات والقيم الإلهية؟ معتبرين الإشارة إلى الخليفة أو السلطان إهانة وإساءة إلى السلطان، ولكن لا ضير إذا كانت تمسّ الدين وتطعنه بالصميم، ثم الويل إذا كانت علامة الاستفهام ترتفع أمام صحابي، أو أحد وعّاظ السلاطين، فإنّ الفتوى حاضرة بكفرك.
فإذا تحدّثنا أو اعترضنا على تصرف سيء، وقلنا: إنّ هذا الحديث يهين الإسلام ويطعنه في قلبه، تعدّ تلك إهانة لهذا الصحابي.
خذ مثلاً هذا الحديث:
عن عائشة، أنها قالت: ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي مما يقرأ من القرآن))[21].
وهذا الحديث طعنة نجلاء في قلب القرآن الكريم، حيث ينسب إليه النقصان فهو تجاوز صريح على كلام الله عز وجل، لكن أنّى لك أن تقول ذلك، فعليك أن تسكت، ثم تطبق فمك، وإلا فأنت مشرك أو كافر تستحقّ الذبح لأنك تسبّ الصحابة، لكن لا ضير إذا كنت تسبّ الإسلام، وتسبّ كرامته عبر أحاديث مصنوعة في معامل السلاطين، وطلاب الملك.
وأيضاً هذا الحديث الخطير:
((جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حُذيفة من دخول سالم وهو حليفُه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرضعيه.
قالت: وكيف أُرضعه وهو رجلٌ كبير.
فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: قد علمتُ أنه رجل كبير)).
وزاد عمرو في حديثه، وكان قد شهد بدراً، ومن الثابت عند العلماء أنّ الرضاعة تحدّد بسنتين، وتكون السنتين الحد الأقصى للرضاعة، كما نص عليه كتاب الله عزوجل.
قال تعالى: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ))[22].
فالحديث الذي يرويه (مسلم) ينافي القرآن الكريم ويناقضه صراحة، ولكن أنّى لك أن تقول أنّ الحديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسوف تواجه شلالات من التهم، ليس أقلّها الكفر والفسوق والعصيان.
إننا نجابه التحريف الواضح، لكن لا أحد يستطيع أن يقول ذلك، وهذا التحريف الظاهر أدّى إلى تحريف الكثير من الأحاديث ومعاني الآيات، ثم إنّ هذا التحريف صار يثني عليه الكثير، وها نحن أولاء نسمع بعض علماء الأزهر يفتون بهذا الحديث مما أثار السخرية والسخط عند عامة المسلمين، وأصبح مادة للتندر والاستهزاء.
وأيضاً جاء في (صحيح مسلم):
((لولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها الدهر))[23].
وهذا الحديث يثبت أنّ الخيانة شيء طبيعي وغريزي عند المرأة، فلا تلام على خيانتها، ثم على اعوجاجها، وبعد فإنّ أمُّنَا ((حواء)) تتحمّل كلّ سيئات النساء اللائي سلكن طريق الانحراف، لأنّ حواء هي الأساس!.
يا لها من مهزلة!.
وهذا الحديث يناقض القرآن الكريم الذي يشيد بالمرأة، ثم يشيد باستواء الإنسان منذ خلقته.
قال تعالى: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ))[24]، فهذه الآية مطلقة فتشمل النساء والرجال.
وقال تعالى: ((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))[25]، فالآية تشير إلى أهم الصفات التي توفّرها العلاقة الزوجية السكن والمودة والرحمة، وهي من أهمّ العوامل في استواء الحياة، وبناء المجتمع المستقيم.
فكيف نرمي ((حواء)) بهذه التهمة الخطيرة؟!.
وأيضاً جاء:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخّرة الرجل))[26].
وهكذا يأتينا أبو هريرة، ويطلّ علينا بحديث يهين الشقّ الثاني للإنسان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((النساء شقائق الرجال))[27].
ولكن الويل لك إذا قلت أنّ أبا هريرة يهين النساء، ويأتي بحديث يحكي مما في داخله من بغض للنساء، ثم إنّ هذا التحامل على النساء من قبل الصحابي أبي هريرة له أسبابه المعروفة لسنا في صددها.
وأيضاً: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله، فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض))[28].
وأيضاً: عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
((ينزل ربنا تبارك وتعالى في كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى من ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعو فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له))[29].
تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.
قال تعالى: ((فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ))[30].
إنّ أبا هريرة كان يفتري حتى ضجّ منه عمر بن الخطاب وعزله عن إمارة البحرين[31].
وقد أكثر الحديث وهو لم يصاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا سنتين، راجع كتاب (أبو هريرة شيخ المضيرة) للشيخ محمود أبو رية أحد علماء الأزهر، والحديث الذي ينقله البخاري يناقض القرآن الكريم.
قال تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[32].
فهذا نصٌ جليٌ، ولا يقبل التأويل في أنّ الله عز وجل ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[33]، فهو ليس بجسم حتى يمكن أن نصفه ونقول ينزل في الثلث الأخير من الليل، ثم يضع رجله في نار جهنم، فتقول: قط قط.
وكيف يضع الباري عزّ وجل رجله في جهنم، وقد أعدها للكافرين، ثم كيف تكون الرجل حتى لا تحرقها النار؟! وهل هي من مادة أم من غيرها؟!! وكلاهما لا يصح، نحن في ورطة كبيرة!!.
وكيف يضع الباري عزّ وجل رجله في جهنم، وقد أعدها للكافرين، ثم كيف تكون الرجل حتى لا تحرقها النار؟! وهل هي من مادة أم من غيرها؟!! وكلاهما لا يصح، نحن في ورطة كبيرة!!.
المصدر
http://shiastudies.net/article/arabic/Article.php?id=8572
No comments:
Post a Comment